
غسيل الأموال ودوره في الثراء المفاجئ السريع
في الأزمنة السابقة كان التعامل بالأموال محدودا لندرتها ولوجودها عند عدد محدود من الأشخاص كالتجار وأصحاب الحرف والمهن المهمة التي يحتاجها الناس ويتعاملون معها بشكل مباشر ويومي .
وكانت المقايضة والرهن والتبادل من وسائل وأساليب التعامل الرائجة بين الناس في ظل عدم توفر العملات النقدية بكل أنواعها وتتمثل بحصول الشخص على خدمة او سلعة وبدلا من دفع قيمة الخدمة او السلعة نقدا لعدم امتلاكه لها يتم استبدالها بغرض ثمين او أي شيء عليه القيمة يساوي قيمة هذه الخدمة او يعادلها كالسيف او الخنجر او خاتم فضه قديم او حتى الاواني النحاسية او البشوت وغيرها وفي حال توفر القيمة النقدية لاحقا يتم استرجاع هذا الغرض أو أن يكون الاتفاق في البداية على الاستبدال من دون ارجاع وكان الامر اعتياديا وحتى من لا يمتلك شيء للمقايضة او رهنه فقد كانت هنالك حلول ابتكاريه جميله لهذه الحالات.
وكانت ثروة اغنى الأغنياء في ذلك الزمان لا تقارن بالثروات في وقتنا الحالي ولكن بركتها عليهم وعلى من حولهم كان لها الأثر الكبير وكان للأثرياء طريقة حساب خاصه وكانوا يوزعون ثروتهم ويحسبونها بحسب الأملاك التي لديهم كالأراضي والبيوت والمزارع والسفن التي يصطادون بها السمك ومدخول تلك الأملاك هو الذي يحدد وضعيه ثروة هذا التجار او النوخذة عن غيره وليس كتجار الوقت الحالي الذين تمتلئ ارصدتهم بالمبالغ الكبيرة ويتنافسون على زيادتها وانمائها وهذا حق مشروع ولكن الهدف هو الجمع فقط وليس هنالك أي هدف إنساني سامي كما كان اثرياء زمان حيث كان خيرهم يشمل الجميع ولا يقتصر على أقاربهم ومعارفهم .
وكان الكرم الظاهر واعمال الخير الخفية هي من تميز تجار واثرياء ذلك الوقت عن غيرهم من هذا الزمن الا من ورث تلك الخصال والاعمال أبا عن جد واستمر في عطائه اللامتناهي على المحتاجين والفقراء وفي ذلك الوقت قل الفقراء بشكل كبير لأن الناس كانوا سواسيه وعلى قلب واحد وحتى الغني كان يفتح مجلسه ويستضيف كل فئات المجتمع التي كان اغلبها اما مزارعين او بحارين او أصحاب حرف ومهن ولا يبخل بما لديه ويمد الناس بما تجود به نفسه باستثناء بعض الذين عرفوا بالبخل واشتهروا به وكان الاستماع الى المحتاجين والسعي على قضاء حوائجهم من الأمور التي ميزت أثرياء تلك الفترة .
وأما الأن فإن الأثرياء أمسكوا أيديهم عن الصدقات والمساعدات وأصبحت أموالهم مسجونة في البنوك لا تخرج الا عند مماتهم لتقسم على الورثة الذين يتقاتلون عليها إن كانوا محرومين مما كان لدى ابيهم من ثروة أو أن يبذرونها ويصرفونها في غير أوجهها وتكون وبالا عليهم وعلى من ورثها لهم والنتيجة ازدياد الفقراء والمحتاجين في دولنا العربية والعالم الإسلامي بأسره وعدم انتفاع الجامع لتلك الأموال الطائلة لا في حياته ولا بعد مماته ولا من جمعت له بسبب عدم حلول البركة وحتى اخراجهم للصدقات والزكوات يكون بتوصية واختيار لمجموعه وأشخاص معينين دون غيرهم وفي الأغلب يكون هؤلاء الأشخاص من غير مستحقي هذه العطايا .
وفي السنوات القليلة الماضية برزت لنا موجة ثراء مفاجئ كبيرة كان أبطالها أشخاص من محدودي او معدومي الدخل لم يتوقع أحد ان يصبح رصيدهم يزخر بملايين الدولارات وأن تكون أملاكهم لا تعد ولا تحصى بين غمة عين وانتباهتها.
موجة الثراء الفاحش الجديدة كسرت القاعدة التي تقول أن الثراء وكسب الأموال يحتاج الى سنوات طويله من العمل والجهد والصبر وضبط النفس في الصرف والجمع وهو حكر على فئه من المجتمع دون غيرها كالتجار وأبنائهم ورجال الأعمال ومن على شاكلتهم لأن هذه الموجة أصبحت أسرع من لمح البصر بالنسبة لأثرياء عصرنا فبين ليلة وضحاها ترى هذا الشخص ينتقل من حال الى اخر ويبدأ اللعب بالأموال والتنعم بما كان يسمع به من ملذات الدنيا المتنوعة والصرف ببذخ ومن دون حساب وعيش حياة الثراء بكل تفاصيلها من دون الخوف من الفقر والحاجة .
وقد نتسائل كيف تحصل هذا الشخص المجهول على تلك المكاسب والأموال والثروات من دون جهد أو تعب منه وهو لا ينتمي لتلك الأسرة الثرية ولم يرث من والده الأموال والثروات الكبيرة ؟ وكيف تنامت ثروة ذلك الشخص الذي كانت أملاكه لا ترتقي لإيصاله الى ما وصل اليه من هذا المستوى المخيف والمريب في آن واحد؟ وكيف توسعت تجارة صاحب المحل الصغير وأصبح اسما يشار له بالبنان حينما تذكر المحلات التجارية والاستهلاكية ؟ وكيف تشكلت تلك السلسله الطويله من المحلات والمطاعم لأولئك الذين يسمون بالمشاهير مؤخرا وهم في بدايتهم كانوا لا يملكون اي شيء من فتات هذه الدنيا الفانيه ؟ تلك الاسئله وغيرها ما جئت للإجابة عنه في هذا المقال .
كما يعلم أغلبنا أن هنالك تجارة واضحه ومعروفة في أكثر من مجال ولها ناسها واسواقها التي تعرض فيها وليس هنالك اختلاف اوشبهه فيها وهنالك تجارة سوداء تكون في الخفاء لا يعرف نوعها وماهيتها وناسها كتجارة الممنوعات والمخدارات والتجارة بالاعضاء والتجارة بالبشر وما شابهها ولكن هنالك تجارة استحدثت في السنوات القليلة الماضيه وهي تعتبر جريمة ويحاسب القانون فاعلها ومرتكبها بعقوبات مغلظة كبيره لأن فيها احتيال كبير ونصب وتلاعب بالأنظمة والقوانين واضاعة لحقوق الكثيرين ودمار للاقتصاد واضرار بالمستهلكين وغيرها الكثير من الأثار السلبيه وهي التي يطلق عليها " غسيل الأموال " وهي من الجرائم المتلونه والتي تقدم وتتخذ وتتداول بطرق غريبه وعجيبه .
غسيل الأموال اتخذه الباحثين عن الثراء السريع والساعين الى التوسع في تجارتهم في أي دولة يقيمون فيها وخارجها من دون لفت الأنظار لديهم وبكل صراحة لا أعرف الطريقة التي تم اكتشاف هذه الطريقة بها ولكن ما أنا متأكد منه ان التهاون والتواطئ والغفله الكبيره لدى المسؤؤلين وأصحاب القرار سبب أساسي لانتشارها بهذا الشكل المخيف الذي قد لا يشعر به الكثيرين ولكن القريب من الفئه المتعاملة بهذه التجارة السوداء سيشعر ويعرف مدى الخسه والحقاره التي وصل بها عباد المال الذي يبيعون دينهم ودنياهم بعرض من عرض الدنيا وكأنهم سيعمرون فيها إذا ما أقدموا على ذلك.
غسيل الأموال الذي انتشر في بلادنا العربيه له أوجه كثيره وللأسف الشديد حكوماتنا من سمحت به بسبب استقبالها للتجار الأجانب الذين قدموا لنا من كل حدب وصوب وخاصة من بعض البلدان الاسيويه مثل ايران والهند والصين حيث اغرت المسؤولين رغبتهم في استقطاب تجار تلك البلدان التي تعاني من مشاكل كثيره في القوانين المتعلقه بالتجارة والمعاملات بين الاشخاص وذلك من أجل تنشيط الاسواق المحلية ولأسباب شخصية تتعلق برغبة البعض من المسؤولين في الحصول على لقب شريك أو مالك لماركة عالمية أو احتكار منتجات غير متوفرة في السوق المحلي لنفسه .
وإن زرت أي بلد من تلك البلدان التي ذكرتها ستعرف سبب تعامل هؤلاء التجار بغسيل الأموال من أجل الكسب والربح فعند قدوم هؤلاء لأي بلد عربي وخاصة البلدان الثريه والتي تعتبر اسواقها اسواق حيه وتساعد على القيام بالمشاريع والانشطة التجاريه تجدهم يبحثون عن الثغرات القانونية التي ستساعدهم في جلب تجارتهم وبضاعاتهم واقتحام السوق المحلي والحصول على الموافقات وكسب الثقه والانتشار بشكل سلس عبر تقديم الهدايا والعطايا لكسب القلوب وشراء الذمم وقبل ذلك طبعا ابهار الجميع برأس المال الضخم الذي يجعل كل الأبواب متاحة في وجه هذا الضيف القادم .
وبعد تثبيت الأقدام واكتساب ثقة الجميع يبدأ هذا التاجر بالعمل وجذب الناس بالعروض والتخفيضات الغير متوقعه التي تبهر كل من يستمع ويطلع عليها وبتهافت الناس واقبالهم يكون هذا التاجر ومن على شاكلته قد نجحوا في فرض نفسهم كأسماء قوية في السوق المحلي وبعد ذلك يبدأ التوسع أكثر وأكثر وافتتاح الفرع تلو الفرع وتجاوز حدود البلد المضيف الى البلدان المجاوره ويبدأ غسيل الأموال بطريقة ماكره وأشهر طريقة منشره هي طريقة بيع وشراء السلع بشعر زهيد جدا وتكون أغلب هذه السلع ذات فتره صلاحية قصيره وقد أكون غير ملم بكل ما يحيكه هؤلاء من مكر وخبث ولكن كما ذكرت سابقا هذه من حيل غسيل الأموال قد يجهلها الكثيرين ولا يعلمها الى فئة صغيره جدا.
ومن وسائل غسيل الأموال الحديثه ايضا هي الغسيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة تطبيق التيك توك والتطبيقات المشابه له وساهم ذلك في انتشار ظاهرة الاثرياء الصغار أو اثرياء التيك توك حيث أنه من مجرد بث مباشر يستطيع الشخص الحصول على مبالغ ضخمه قد يعجز الشخص الذي يعمل طول عمره على الحصول على ثلثها بينما يجمعها هذا التيك توكر بجولة او جولتين اليس هذا أمرا يدعو الى الشك والريبه ؟
كيف يجمع شخص الملايين من برنامج تواصل اجتماعي من دون جهد أو تعب ؟ وكيف يستطيع هذا الشخص من دعمي بمبالغ كبيره بإختياره هذه الاشياء التي يقوم بإرسالها لي أو للشخص المقابل لي وهو طفل أو مراهق أو عاطل عن العمل ؟ وهل أصبح جميع مستخدمي البرنامج قادرين على ارسال هذه الهدايا الثمينه أو الشعارات التابعه للبرنامج والتي يوجد لكل واحد منها مبلغ خاص يصل الى مئات الدولارات ؟
كل ذلك مرتبط بغسيل الأموال بطريقة أو بأخرى وقد اكتشف الكثير من المشاهير والقي القبض عليهم وتمت مصادرة كل ممتلكاتهم وتم التحدث عنهم بكل تفصيل بعد أن قاموا بممارساتهم بإستخدام هذه الوسيله ووصلوا الى ما لا يحلمون وهذه العينه ليست الأولى ولن تكون الأخيرة طالما وجد هنالك اشخاص لا يخوفون من الله ويستسهلون هذا الأمر الذي يفعلونه.
ويوجد عدد كبير من المشاهير وغيرهم ممن لم يتم كشفهم الى الان فكيف هي الطريقة لذلك؟
الكشف والتعرية :من وجهة نظري أرى أنه يجب تعرية هؤلاء وكشفهم وعدم اعطائهم الفرصه تلو الفرصه حتى نتجنب اليوم الذي تتحول فيه مجتمعاتنا لطبقات يعيش فيها أصحاب الممتلكات والثروات بسلام ونعيم بينما يعيش باقي الشعب في حرب على لقمة العيش ويصبح الهدف الاساسي للأغلبيه هو الوصول الى ما وصل اليه هؤلاء واتخاذ طرقهم منهجا ووسيلة .
التوعية : من الامور المهمة جدا لانه ان وجد مجتمع يضج بالناس الواعيين ويعرف حقوقه وما له وما عليه ستجده يكافح اي ظاهره سلبيه ولن يمنح من يمثلونها موطئ قدم في البلد لأنه سيكون درعها الحصين الذي يحميها ويذود عنها .
ايقاف الدعم والمتابعة : يجب ايقاف التافهمين والتافهات عن البث والحصول على الدعم الذي يستخدمونه في التلاعب بمشاعر الناس او خداعهم وزيادة أرصدتهم عن طريق مقاطعة هذه البرامج التي يعتمدون فيها بشكل أساسي على المتابعين في جمع كل تلك الثروات وقد يكون لضغط المتابعين الدور الأكبر في تغيير الواقع الحالي وتغيير سياسة القائمين على مثل هذه التطبيقات .
وختاما فإن هذه الأفة الجديدة ضحاياها كثر و تأثيرها كبير جدا ومباشر وللأسف الشديد أنها اعطيت طرق تخفي قد لا ينتبه لها البعض وهذا الأمر يجعلها تستشري وتنتشر وتنخر في الصفوف وتدمر أكبر قدر من المجتمعات والأوطان والكل فيها خاسر حتى اولئك المتنفعين في البداية ستكون عليهم هذه المنفعه وبالا وهلاكا لهم في النهاية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا