
تحدي القراءة العربي خليط من مشاعر الفخر والفرح والاعتزاز والانتماء
مبادرة من المبادرات التي تستحق الذكر والتقدير والاشادة تلك التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم حاكم دبي وهي تحدي القراءة العربي على مستوى العالم العربي واستهدفت الطلاب والمشرفين في كل عالمنا العربي واولئك الذين في دول المهجر .
تلك المبادرة التي تعجز الكلمات عن وصفها لأنها تعنى بلغة الضاد الحبيبه على قلوبنا اللغة التي ظلمت كثيرا بسبب موجة التغريب التي طالتها وسعت الى طمس معالمها وابعاد اهلها عنها ولكن هيهات ان يستطيعوا ان ينالوا من لغة القران التي خاطب بها رب العزة نبيه الكريم وانزله الله للعرب والعجم بالعربية في معجزة مستمرة مبهره بانت فيها عظمة الخالق العظيم وأبان ذلك في محكم التنزيل حينما قال في سورة الزمر(( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28).
ومثلما كرم الله تعالى اللغة العربية بذكرها في كتابه الكريم كان الأمر بالقراءة أول ما خوطب به النبي محمد صلى الله عليه وسلم حينما نزل عليه حامل الوحي جبريل عليه السلام وقال له اقرأ ورد عليه الحبيب ما أنا بقارئ وقال له بعد الحوار الجميل الذي دار بينهما (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5 ))
واستشعارا لهذه التعليمات الربانيه وامتثالا لها ظهرت لنا هذه المبادره الرائعه ويكفيها فخرا انها جمعت ملايين العرب بعد سنوات من الفرقه والتنافر وحتى وان كان هذا الجمع في منافسة شريفة تعتبر صغيرة في أعداد المشاركين الذين لايضاهون العدد الهائل لسكان شعوب أمتنا العربية مجتمعين واقتصرت على الطلبة والمعلمين والمشرفين والمدراس في تنافس شريف الا انه اجتماع مبروك ومطلوب جدا في هذا الوقت من الزمان الذي اصبحنا فيه كغثاء السيل كثرة في العدد ولا من دون فائدة وكم نحن في حاجة ماسة الى مثل هذه المبادرات من أجل اذابة جبل الجليد الذي جمد مشاعرنا وجعلها متبلدة ولا تنبض بالاحاسيس تجاه اخواننا وامتنا التي تنزف منذ سنين ولم تجد من يضمد جراحها حتى الان .
ولن نكترث لمن يحاولون التصيد والتشفي والاستهزاء بما تم في هذه المبادرة منذ انطلاقها ومن يشككون في الاهداف التي تكون خلفها ويتهمون صاحب الفكرة بسبب خلافات او احقاد او اختلافات اخرى لأنها تحدثت عن نفسها وابرزت للجميع السبب الذي اطلقت من أجله وما تأثر الشيخ محمد بن راشد اليوم وبكائه عند قراءة الفائزة في النسخه الثالثة المغربية مريم امجون جزء من كتابه قصتي دليل على مدى اهمية هذه المسابقة لصاحب الفكرة ولكل المشتركين والقائمين عليها ودليل أكبر على أن القراءة عالم جميل يستحق المزيد من الاهتمام والعناية .
تحدي القراءة العربي نموذج يستحق ان يعمم في كل عالمنا العربي وامتنا الإسلامية لأنه أبرز الوجه الأخر الجميل لشعوبنا التي يتهمها الغربي الهمجي بالتخلف وعدم القراءة والاهتمام بالعلم والمتعلمين وانها شعوب متفرقه لا يمكن ان تجتمع في يوم ولذلك لابد أن يحظى من يسعون لنشر العلم ويتعبون ويشقون من أجله بكل الدعم من أجل أن يعرفهم الناس ويقدموا علمهم ومعرفتهم للعالم بأسرة وينفعوا أوطانهم وأمتهم ويكونوا نماذج يحتذى بها ومن هنا أتقدم بكل الشكر والامتنان للمعلمين والمعلمات والمدراء والمشرفين في كل المدراس التي شاركت في المنافسة والتي لم تكتب لها المشاركة ومن يعملون بالخفاء ولا يعلم عنهم أحد شيء على كل ما قدموه من أجل ابراز جمال لغة الضاد وكل من ينتمي لها .
منظر مبهج ومفرح ونحن نرى الفرحة تنتقل من سوريا الصمود الى فلسطين العزة الى الأردن الحر وتطير الى تونس الخضراء وجزائر الشهداء وموريتانيا الكرامة ومصر ام الدنيا والسودان العزيز وتعود الى الكويت الحرة والبحرين الأبية والسعودية بلاد الحرمين وقطر المجد الى امارات الخير ونرى مشاركين من بلاد المهجر ومشاركين غير عرب من بلدان غربية يحبون لغة الضاد ويجعلونها شعارا لهم بل يفضلونها على لغتهم الأم .
كانت فقرات حفل التكريم رائعة وفيها الكثير من الألفة والود وخاصة تلك الفقرة التي جمعت الأناشيد الوطنية لكل البلدان العربية بأصوات أبناء الوطن العربي شيء يحرك الإحساس ويشعرك بالفخر والانتماء ويؤكد الحقيقة التي تقول أن العرب مهما اختلفوا فسيبقون اخوة لأن ما يربطهم يبقيهم على صلة دائمة حتى وان تباعدوا في الأماكن والأزمنة .
وما اسعدني كثيرا هو فوز الطفلة شام من سوريا وتتويجها بجائزة تحدي القراءة العربي وهي تستحق هذا اللقب نظرا لما عانته وقاسته مع اسرتها في احداث سوريا وكيف خرجت من تحت ركام سوريا بهذه القوة في التعبير والقراءة والحضور الذهني ابهرتني شام حينما اختارت السيرة النبوية منطلقا لها ومن الاحداث التي جرت في زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم دروسا وعبرا تنير لها الطريق وفي هذا العمر فهنيا لبلاد الشام هذه الفتاة المميزة .
دروس وعبر
تعلمت من تحدي القراءة العربي أن مقولة امة اقرا لا تقرا غير صحيحة ونحن نرفضها جملة وتفصيلا وأن قائلها كان يهدف الى احباطنا وزيادة يأسنا واظهارنا بمظهر المتخلفين الذين لا يقرأون ونحن على عكس ذلك ولكننا قد نهمل او نقصر في القراءة ولكننا لا نترك القراءة نهائيا وما نراه من اقبال على الكتب في المعارض والمكتبات وزيادة عدد الكتاب والمؤلفين دليل قوي على أن الكتاب هو خير جليس ومازال يحتفظ بقوته وتواجده .
تعلمت من تحدي القراءة أن الشعوب العربية متعطشة لأي شيء يجمعها ويقربها من بعضها فهي تعبت من الحروب ومن الخصام والفتن وترغب بالتقارب وإزالة الحواجز والحدود وفتح صفحات جديدة مشرقة في تاريخ الامة وهي تصرخ في كل يوم يكفينا فرقة يكفينا خصام يكفينا تشتت لماذا لا نتحد ونتمتع جميعا بمقدرات وخيرات بلداننا بدلا من أن نكون مطمع للطامعين ولقمة سائغه في افواه المتربصين.
تعلمت من تحدي القراءة ان المسؤولين والحكام حينما يتواضعون وينزلون لمستويات الشعب وطبقاته المختلفه تزول كل الحواجز التي بينهم بل انهم يصبحون محببين لأبناء وطنهم ويشعرون بحبهم ودفئهم ويتأثرون بما يتأثر به الشعب ويعيشون معه كل التفاصيل التي كانت تخفى عنهم عندما كانوا منعزلين ومبتعدين عنهم فهل نجد من ينزع عنه جشع السياسه وقذارتها ويلتفت الى شعبه وناسه ويسعى لتخفيف جزء من المعاناة عنهم ويكفر عما اقترفه من أعمال لا تجوز من تلك التي يقوم بها السياسيون في الدول العربية التي عانت وما زالت تعاني من ويلات هؤلاء اتمنى ذلك رغم صعوبته لأن بريق السياسه يعمي العيون ويجعل القلوب متحجره .
تعلمت من تحدي القراءة ان الشعوب العربية لا تيأس بل إنها تحاول وتحاول وتسعى وتجتهد للوصول الى غاياتها وبهذه الميزة نمتاز عن غيرنا من شعوب وصدق البيت الذي قيل فيه "اذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر" وعلى الرغم من الاختلاف على الشطر الأخير من البيت الا ان المعنى وهو بطن الشاعر بكل تأكيد نراه صحيحا وينطبق على شعوب امتنا التي عانت وقاست وتخطت العديد من المشاكل والأزمات عندما وضع نصب عينها فعل ذلك.
كما تعلمت من تحدي القراءة أن التحديات التي تواجهنا بمختلف أنواعها نحن قادرين على التعامل معها ودفعها بعيدا عنا من دون الحاجة الى احد من خارج بلداننا ولكن لا بد من بعض الأمور منها الايمان بقدراتنا وامكانياتنا ودعم الامن والحرص على حفظ وصون الأوطان والغيرة على الأرض والعرض وعدم السماح لأي شخص من خارج الديار بالتدخل في شؤوننا الداخلية .
تحدي القراءة العربي ترك بصمة لا يمكن ان تمحى لحين الدورة القادمة وسيستمر في ترك بصمات منيره طوال ما كان هنالك أناس تحب لغة الضاد وتعمل من أجل احيائها وإعادة ابرازها في العالم بأسرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا