
بين جيل الصحوة وجيل الانفتاح
الأيام وتقلباتها وما تحويه من أحداث و مواقف وخبايا واسرار أمور عاشها من كتب له أن يعيشها ولابد أن يذوق مشاعرها المختلفة من وجع وفرح وانكسار و نصر من سيكتب له طول العمر في هذه الدنيا .
وقد مرت على أمتنا فتره مهمه اتسمت بازدياد الغيرة على الدين واتقاد المشاعر والاحاسيس ووجود حساسيه مفرطه عند جميع شباب المسلمين الذين كان البعض منهم غير مكتفي بما يسمعه من المشايخ من توجيهات ونصائح تركز على العبادات والطاعات وتحض على التكاتف وعدم التشتت والتشرذم والسعي للوحدة بين الاشقاء بالإضافة الى العلوم الشرعية وكل جوانب الدين الحنيف بل كانوا بسبب التحفيز الداخلي والجو الإيماني العالي حينها يشعرون بأن عليهم القيام بأمور أخرى غير العبادات والأمور التي كان اغلب الدعاة والشيوخ يدعون لها وظهرت لنا حينها ظاهره المشايخ الشباب الذين أطلق عليهم لاحقا مشايخ الصحوة الذين كانوا يمثلون الهوية الإسلامية الغير تقليدية التي تختلف عما اعتاد عليه الناس عند تلقي العلوم والدروس الشرعية وساعدت الحالة السائدة التي ذكرناها سابقا على تقبل الطريقة الجديدة في الدعوة بسرعه كبيره والتأثر بما جاء به من انتهجوا هذا النهج الجديد.
الصحوة كانت تتسم وتتميز بالأسلوب الجذاب الذي تميز به مشايخها وطلاب العلم الذين تشكلت منهم واستطاع هؤلاء من الوصول الى شريحه الشباب التي كان يستهدفونهم بكل سهوله وسلاسة وانتشر المؤيدين لهم وكانت الأمور تسير بشكل رائع لأن الدعوة في البداية كانت شبابيه ولا توجد فيها أي مخالفات او أي تجاوزات تستحق الذكر وكانت تستمد قوتها وعلومها من اصل الدين نفسه و من مراجعه ومشايخه وكانت تهدف الى ايقاظ الناس من غفلتهم ومالبثت أن حادت هذه الدعوة عن الطريق القويم وتصادم دعاتها مع العلماء الربانيين الذين كانوا يقودون الأمة ويوجهونها ويسعون دائما الى نبذ الفرقة وتوحيد الصفوف ومما يثير الدهشة أن اغلب مشايخ او طلاب علم الصحوة كانوا تلامذة عند العلماء نهلوا من منبعهم الصافي بحضور دروسهم والجلوس معهم وحاول العلماء ثنيهم عما يقومون به ولكن دون جدوى بل ازدادت شوكة علماء الصحوة وكانت كل الأجواء مواتية لهم .
كانت للصحوة وادواتها وعلمائها أفكار مختلفة جدا عن تلك التي كانت سائدة حينها وكانت افعالهم وتصرفاتهم تتسم بالغرابة والطرافة في نفس الوقت وكان غلافها الخارجي إسلاميا بحتا لا تشوبه شائبه ولكن الطريقة التي يقدمون فيها تلك الأفكار كانت هي المشكلة لأنهم استخدموا وسائل الاعلام التي كانت منتشرة حينها بطريقة كبيرة وفعاله ساهمت في انتشارهم ومن أهم تلك الوسائل التي استخدمت الأشرطة التسجيلية او ما يسمى بالكاسيتات والكتيبات والنشرات والمطبوعات بكل أشكالها بالإضافة الى المنتديات والمواقع الإلكترونية التي كانت في بداية انتشارها واستخدم هؤلاء أسلوب التخويف والترهيب خاصة بذكر الاهوال والعذاب الذي سيلقاه العصاة يوم القيامة وزرعوا في عقول جيل كامل أمر واحد وربطوا الدين بالعذاب وكأنه ليس هنالك جزاء الا النار وكان الغرض ابعاد الناس عن ارتكاب الذنوب وتحبيبهم في الطاعات وخلق حالة ايمانيه مرتبطة بمعتقدهم والأفكار التي بنيت عليها الصحوة وهذا أمر يشكرون على بعضه لأنه قد يكون اجتهاد منهم لدعوة الناس ولكن كيف لهم أن ينسوا أو يتجاهلوا أن دين الإسلام جاء بالترغيب والترهيب والمولى عزو جل ذكر في قرانه آيات الرحمة والبشرى مقابل آيات العذاب والتنفير لمعرفته سبحانه بالنفس البشرية التي تضبط بتلك الطريقة دون غيرها .
وكان للأشرطة الإسلامية أثر كبير جدا وانتشرت بشكل وفي محلات التسجيلات الإسلامية التي ازدهرت في تلك الفترة ونشرت العديد من تلك المواد في محلاتها ولاقت رواجا واقبالا بسبب الجو الايماني السائد حينها ولم يخلو بيت من تلك الشرائط التي كانت تبث في النفوس العزة بالدين وحب الأخوة والسعي لخيرهم ويسوق الدعاة فيها القصص والعبر ويستخدمون المؤثرات الصوتية التي تعطي المستمع ما يستحقه وتجعله جاهزا لأي شيء يطلب منه .
وكان كل ما تم ذكره مليئا بالتوجيه الى النفير والخروج الى الجهاد في سبيل الله بطريقة تدغدغ الفكر وتداعب المشاعروتلهبها بل انها تسوقها سوقا الى مخالفة الجماعة وتأييد هذا الفكر فقط دون غيره ولم يكتفوا بذلك بل نصبوا المنصات في الاحياء او المناسبات وارتقوا عليها وتحدثوا ووجهوا ودعوا ورحبوا بالتائبين والعائدين الى الله وقد تستغرب من قولي ! ولك كل الحق في التعجب لأن علماء وطلاب علم الصحوة كانوا يعتبرون الكثير من الممارسات النشاطات الدنيوية مخالفة وملهيه عن الحق وأن من يمارسها مرتد أو عاصي مرتكب كبيره من الكبائر ويجب أن يتوب منها .
ومن الأمور التي حرمها هؤلاء حينها الألعاب الالكترونية والألعاب الورقية وكثيرا ما استضافوا على منصاتهم واجتماعاتهم التائبين من تلك الألعاب وفرحوا بهم وقدموهم بشكلهم وفكرهم الجديد وهنالك العديد والعديد من الممارسات التي كان تقام في فترة الصحوة وكان اشدها واقواها هو الانتقاد والهجوم على حكومات الدول والطعن في المشايخ الربانيين الذين يحملون لواء الدعوة الى الله ونشر العلم الشرعي الحق وايدتهم الفرق والجماعات التي تختلف مع تلك الحكومات والمشايخ وتصدرهم المشهد في اي حدث يعصف بالأمة التحريض والتشجيع على القيام بردود أفعال عشوائية خارج تعاليم الدين الذي يدعو إلى طاعة ولي الأمر.
وعلى الرغم من المأخذ والملاحظات الكثيرة التي كانت على فترة الصحوة إلا أنها ساهمت في نشر الوعي الديني الجميل وجعلت اقبال الشباب على العلوم الشرعية أكبر حتى وإن خالطت تلك العلوم أفكار لا تجوز وازداد حفاظ القران وخرج جيل صلب و مخالف ومتمرد على كل شيء عنده اقدام على خوض التجارب عقلانية كانت أم مجنونه ولديه القدرة على التحدث والتعبير من دون خوف او خجل وكانت الأوقات تملئ بالأمور والممارسات المفيدة من دروس وعلوم شرعية وأنشطة تقوي الجسد والفكر واختلف التفكير لدى هؤلاء وأثروا كثيرا في مدارسهم واصدقائهم وكل من حولهم ولعبت المواقع الالكترونية دورا مهما في انتشارهم .
ولكن بعد ذهاب ذلك الجيل وهدؤء الأجواء الإيمانيه التي كانت تغطي المنطقة بغض النظر عن التشدد الذي كان يغلفه بسبب الطريقة الخاطئة التي انتهجها مشايخه والأفكار المتشددة التي كان يسعون لترويجها في المجتمعات والتي ساقت الكثيرين إلى أماكن لم يكونوا يتمنون أن يكونوا فيها وأصابت قلوب الألاف من الأباء والأمهات في مقتل وفجعتهم بفقدان أحد أبنائهم الذين غرر بهم وساروا خلف تلك العبارات الرنانة التي أطلقت وأجبر ذلك السلطات على التدخل لكبح جماح الصحوة واتباعها ولم يتم ذلك الا بضرب الرموز والاسماء الكبيرة التي تم استغلالها من قبل أطراف خارجية خفيه لتحقيق بعض الأجندات ومن ثم جاء عصر الانفتاح ووصل التقليد الأعمى للغرب الى أعلى مراحله واتسعت الهوه بين الأبناء والدين وأصبحت العلوم الأخرى هي المقدمة على كل شيء وتراجعت الأخلاق والخصال الحميدة وترك المجال للتصرفات الغير لائقة وانسلخ أبناء الملة والدين من جلدتهم .
وخرج لنا جيل هش لين محتار لا يعرف ما الذي ينفعه ولا الذي يضره المادة هي من تحكمه وتؤثر عليه لا يحفظ ايه ولا حديث وان حفظ فإن تفسيره سيكون على هواه وانتشرت فيه سلوكيات وأمور لم نكن نتوقع في يوم ان نراها في بلاد المسلمين لأنها ليست من ديننا ولا من ثوبنا ولا عاداتنا بل ان الجيل الذي كان مميزا وظهر منه العديد من المميزين والمبدعين تأثر بما جاء في هذا الجيل من أفكار وقيم سلبية وانجرف في التيار الجديد الذي ضرب كل مكان وبارك الكثيرين من أبنائه الجيل السابق ما رأوه من أمور يندى لها الجبين وشجعوا عليها .
وحتى نكون منصفين لهذا الجيل لن ننكر وجود مجموعه كبيره من الشباب المميزين الذين في العديد من المجالات والاهتمامات ولكن تلك الميزة ناقصه لأنها مشوبة بالانفتاح بشكل كبير ولم تعد للأسف هنالك خطوط حمراء فالاختلاط زاد والعلاقات المحرمة أصبحت ظاهره للعيان وقل الحياء عند الفتيات والفتيان ولم يعد هنالك خوف من الله وضعف الوازع الديني وانعدم عند البعض وازاد الانحراف بشكل واضح .
نعم ازداد الانحراف وقلة الهيبة والوقار عند الوالدين والمعلمين وحتى الدولة التي تحمي شعبها بأجهزتها ومؤسساتها لم تعد كما بعكس ما كانت عليه عند مواجهتها الصحوة وأصبحت مجتمعاتنا صورة مطابقة للمجتمعات الغربية وكذلك الفكر والتوجه ولم نعد نتميز عنهم في شيء بل تفوقنا عليهم في التفاهات وكما قال الشاعر (( حنا امة تافهة بين ميزان القوى ولكنها في فنون التفاهة ماهرة )) ولست هنا لجلد الذات ورمي اللوم والعتاب يمنه ويسره ولا يعني ما ذكرناه ان الكل قد تحول ولم يبقى هنالك غيارى ومحبين للحق بل على العكس بقى الكثيرين ولكن كما يقال في المثل " الماء غالب على الطحين " نسأل الله أن يصلح الأحوال وأن يكتب الخير لأمتنا ويخرجها من هذا النفق المظلم وأن تعود الصحوة الصحيحة بعيدا عن كل تلك الإشكاليات التي كانت عليها سابقا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا