.jpg)
ضيق الخلق وسرعة الانفعال لدى الناس
أمزجة الناس واحاسيسهم تتأثر كثيرا بما يمرون به في حياتهم من أحداث وتطورات ففي ساعات الفرح والسرور يكون مزاجنا معتدلا ونظرتنا للحياة مختلفة بشكل كبير وفي ساعات الحزن والضيق يكون المزاج مضطربا والنفسية غير متهيئه لأي شيء ويكون هنالك يأس وقنوط من هذه الدنيا بأكملها وفي بعض الحالات يكون الانسان في حاله بين الحالتين المذكورتان فلا يشعر بأي سعادة ولا يزعجه أي هم وحزن ويمر بمرحلة اللاشعورية وانعدام الاحاسيس وهذه المرحلة قد تكون مريحة في بعض الأوقات ومزعجة في أوقات أخرى .
كل تلك المراحل لها تأثير مباشر على الكثير من الأمور في حياة الانسان ومن أهم تلك الأمور التي تتأثر بالمتغيرات المذكورة سابقا التعامل بين الأشخاص في مختلف أمور الحياة وكما يعرف الجميع أن الانسان بطبعه اجتماعي ويحب الألفة والتقارب مع اقرانه وهذا أمر جبلنا عليه نحن البشر على الرغم من ا اختلافنا في الدين واللغة والكثير من الأمور وذلك مصداقا لقوله تعالى :((وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )) .
ومنذ قديم الزمان كان التعامل بين الأشخاص أمر حتمي لا يمكن الاستغناء عنه ويكذب ذلك الشخص الذي يقول أنه يستطيع الاستغناء عن الناس ولا يحتاج لأي احد منهم في حياته لأن الله تعالى خلقنا لنكمل بعض والمقصود بالحاجة هنا هي المعونة في قضاء أمر من أمور الدنيا او تخليص عمل نحتاجه ولا نقصد الحاجة السلبية التي قد تجبرك على القيام بأمور مخالفه للدين والشرع والتي تدخلنا في باب المخالفين والمستحقين للعقوبة الألهية .
ومع مرور الوقت وبسبب تعقد الحياه وزيادة متطلباتها وانتشار الفتن وازدياد الخوف من المستقبل المجهول الذي نسي كثير من البشر أنه بيد رب العباد سبحانه وتعالى مسير الأمور وقاضي الحاجات ازدادت بعض الأمور السلبية التي تكاد أن تصل الى مرحلة الظاهرة في تعاملات الناس ومن أخطرها وأهمها ضيق الخلق وانعدام الصبر وسعة الصدر والانفعال السريع الذي يصل في كثير من الأحيان الى التلاسن والتشابك بالأيدي أو بأي أداة متاحة حينها وهذا ما نلحظه في الشوارع وفي أماكن تخليص معاملات الناس بشكل أقل والتعاملات بشكل عام بين الناس .
ومن خلال مشاهداتي ومتابعتي للكثير من الاحصائيات والدراسات تبين لي أن هذا الامر غير مقتصر على بلداننا العربية والإسلامية بل أنه امر منتشر في كل العالم ففي احدى الدراسات التي اطلعت عليها وكانت للجنة مجتمعية ألمانية تناولت أسباب انتشار العنف في بعض المجتمعات الأوروبية تبين أن اغلبها تبدأ بسبب التسرع في الحكم أو ضيق الخلق والغضب المفرط الذي قد يكون لأسباب لا تستحق ردة الفعل القوية أما الأسباب التي تم جمعها في الدراسة المذكورة حول ردات الفعل والانفعالات لدى افراد المجتمعات التي أجريت عليها الدراسة كان أولها هي المشاكل الأسرية التي تنجم بسبب أسباب مختلفة كالانفصال بين الزوجين وتشتت الأبناء او استقلال الأبناء وانعدام الموجة والقدوة لديهم أو بسبب الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها اغلب البشر كفقدان الوظائف او ارتفاع المعيشة والمتطلبات الأساسية للحياة و الانحلال الأخلاقي الذي يقود الكثيرين الى ادمان الممنوعات او ممارسة الرذائل والانخراط في دوامة الضياع التي لا ترحم وأضافت الدراسة سببا جديدا وهو نظام الحياة في الدول الأوروبية التي تقوده الحرية المزيفة و المبالغ فيها والتي تزيل القيود عن كل الممارسات التي رأت الدراسة أنها خاطئة جدا ويجب إعادة النظر فيها .
وبالنسبة لدولنا العربية فقد تكون الأسباب التي جاءت في الدراسة الاوروبية هي نفس الأسباب التي تؤثر فينا وتقود الناس الى ضيق الخلق والانفعال السريع أوقريبة منها ولكن هنالك بعض الأمور الإضافية التي تخصنا منها عدم الشعور بالأمان في الأوطان بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية التي تمر بها العديد من الدول العربية والتي تؤثر في المجتمعات وأفرادها بشكل كبير كما أن الكبت الذي يعاني منه الناس ومصادره حقوقهم في البوح والتعبير عما في صدروهم من أمور وعدم السماح لهم بالإعتراض عن الأمور والممارسات التي تزعجهم يقودهم الى التنفيس والتعبير عن ذلك بطرق خاطئة وغير لائقة .
ومن الأسباب التي تضاف الى ما ذكر الفساد الإداري والأخلاقي الذي انتشر في مجتمعاتنا بشكل كبير وأثر على الأفراد وأخذ صور مختلفة فتراه في الوزارات والهيئات والعاملين فيها وتراه في أصحاب القرار والمؤثرين في حياة الناس وأصحاب المناصب والتجار ومن احتكروا السيولة وأصبحت الأموال في يدهم من دون باقي الناس فكلما استمر هؤلاء في غيهم زاد الحنق والضيق لدى الناس وأنعكس ذلك على تصرفاتهم وتعاملهم فتراهم يثورون وينفجرون من أول نقاش أو جدال او موقف يتعرضون له وان كان عن طريق الخطأ.
وبكل تأكيد فإن للدول الكبرى التي تطمع في خيراتنا وتسعى الى ان استمرار حالنا كدول تابعه لها لا قرار لها ولا ارداة تعتبر من اهم الأسباب التي تنخر في المجتمعات ولكن بطريقة غير مباشره وعبر وسطاء مرتبطين بها وينفذون اجنداتها وتوجهاتها المرسومة مسبقا .
كل ما ذكر يقود الى أمر واحد له تأثير يجمع كل الأسباب التي تؤثر في بلداننا العربية والإسلامية وهو الشعور بالظلم وعدم القدرة على اخذ الحق ورد المظالم على الرغم من الايمان الموجود لدى اغلب افراد المجتمع أن الحق واستعادته ات لا محاله ولكنها النفس البشرية التي تقوى و تضعف وتتأثر بما يدور حولها .
ولضيق الخلق وسرعة الانفعال نتائج مدمره على المجتمعات والدول وقد يكون أولها زيادة العنف والمشاكل وهذا يعني انخفاض الشعور بالأمن والأمان وتوقف عجلة التطور في هذا البلد على المدى البعيد والانشغال بأمور ثانويه غير مهمه ومن النتائج أيضا الصورة المشوهة التي تتشكل عن المجتمعات وافرادها بسبب التصرفات التي قد يراها الزائر والقادم اليها والتي سيحملها بعد انتهاء زيارته ان صادف او تعرض لموقف مع احد ضيقي الخلق وسريعي الانفعال وهنالك الكثير من النتائج التي قد تكون بطيئة التأثير والانتشار ولكنها كما ذكرت سابقا مدمره .
وكما يقال لكل داء دواء فإن لهذا الامر الذي تناولناه اليوم حلول وعلاجات ولكنها قد تستغرق بعض الوقت وهي تحتاج الى تكاتف من جميع طوائف المجتمع ابتداء من أصحاب القرار الذين يجب ان يقوموا بدورهم والقيام بالأمور المرتبطة بهم ومن ثم يأتي الدور على افراد المجتمع لأنهم والوطن أول من يتأثر وهم من يحملون جل هذه الاثار وتظهر نتائجها في حياتهم وابنائهم ومستقبلهم كذلك نسأل الله ان يريح القلوب ويصلح الأمور .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا